-A +A
رامي الخليفة العلي
بعيد الحرب العالمية الثانية، دخل العالم في سباق تسلح في إطار الحرب الباردة، وظهرت لأول مرة احتمالية أن يقوم بنو البشر بتدمير الكوكب الأزرق، وبدأ السباق بين الولايات المتحدة الأمريكية؛ ممثلة للمعسكر الغربي، والاتحاد السوفيتي؛ ممثلا للمعسكر الاشتراكي، في الوصول إلى قدرة كبيرة على تدمير العالم عدة مرات. وعندما ارتفعت حرارة الحرب الباردة حتى كادت تكون ساخنة حبس العالم أنفاسه بعد أن أصبح شبح الحرب النووية ماثلاً أمام الجميع في أزمة الصواريخ الكوبية. ومن هنا بدأ الحديث بين واشنطن وموسكو حول ضرورة وضع ضوابط لسباق التسلح وتم الاتفاق بين الطرفين على تفكيك جزئي للترسانة النووية. ومع أن النادي النووي لم يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإنما انضمت دول أخرى ومع ذلك بقي هناك شعور سائد بأن القنبلة النووية بين أيدي حكومات مسؤولة، وبالتالي هذا السلاح لن يستخدم وإنما هو للردع وحسب وهو جواز مرور إلى نادي الكبار. بعد عدة عقود بدا الحديث على مستوى الأشخاص البسطاء حول الأسلحة النووية نوعاً من الغوص في الأساطير وأن هذا أمر يخص أصحاب الشأن من زعماء الدول وخصوصاً الكبرى المتحكمة بشكل مطلق بهذا الخطر.

بعد عقود من الاستخدام الأول للقنبلة النووية في هيروشيما ونجازاكي، فإن الأنظمة النووية التي تمتلكها الدول الكبرى دخلها التقدم التقني كما دخل كل مجالات حياتنا من أعقد الأنظمة الحكومية حتى أبسط الاحتياجات الفردية، وكان يفترض أن التقدم التقني وخصوصا الذكاء الصناعي أعطى بني البشر القدرة على التحكم بهذا البعبع وأن هذه الترسانة الهائلة التي تمتلكها دول معدودة أصبحت محصنة بشكل أكبر بعد ثورة الذكاء الصناعي التي ما زلنا نشهد فصولها. ولكن العالم استفاق من ذلك الإيمان الطفولي الأسبوع الماضي، بعدما أعلنت دوائر أمريكية أن مؤسسات حكومية ومؤسسات كبرى مرتبطة بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى رأس تلك الأنظمة الحكومية برامج وتطبيقات في الأسلحة النووية تعرضت للاختراق. بدا للوهلة الأولى أن هذا الخبر استمرار لسلسلة من الاختراقات التي قام بها هواة ومراهقون خلال العقدين الماضيين والتي وصلت إلى أماكن حساسة ولكن يتم اكتشافها بسرعة وسد الخروقات. ولكن الملفت هذه المرة أن الاختراق والتجسس على المؤسسات الأمريكية استمر لأشهر واستخدمت موارد ضخمة وكفاءات كبيرة في التقنيات السبرانية لذلك منذ اللحظة الأولى اتجهت أصابع الاتهام إلى روسيا الاتحادية وبدأ الحديث حول ضرورة حماية أمن الولايات المتحدة السبراني وهذا ما تعهد به الرئيس المنتخب جوزيف بايدن.


لكن بعيداً عن الحسابات السياسية بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، وبعيداً حتى عن التجاذبات الداخلية الأمريكية التي جعلت الرئيس دونالد ترمب يبرئ الكرملين من هذه العملية، فالنتيجة التي تصيب الجميع بالرعب هي أن هذه الأنظمة من الهشاشة بمكان بحيث يمكن اختراقها وأن الأمان النووي الذي نشعر به مجرد أسطورة زائفة. ما حدث في الولايات المتحدة يشير إلى أن القنبلة النووية المعلقة فوق رؤوسنا كادت أن تسقط لو أن هذا الاختراق قام به مجموعة من المعتوهين أو المجانين. في نهاية هذا العام المرعب تأتي الأحداث لتثبت أننا نعيش في عالم هش قابل للانهيار من جهة قد لا نتوقعها.

باحث سياسي

ramialkhalife@